مع قلة موارد المياه العذبة على هذا الكوكب والتي تتلخص بكارثة ان ما يزيد عن مليار انسان لا زالو لا يحصلون على مياه شرب نقية، ومع زيادة ملحوظة في تعداد السكان والتي من المتوقع ان تصل الى تسعة مليارات نسمة في العقد القادم. وتشتمل ايضا التحديات المناخية كظاهرة الاحتباس الحراري والتي تعمل على اذابة مليارات الاطنان من الجليد الذي يعتبر مصدرا هاما للمياه العذبة على هذا الكوكب وفقدانها بانحلالها في المحيطات.
تتبخر مياه البحر وتتكثف مما يسمح باستمرارية الحياة على هذا الكوكب ، فيما يعرف بالدورة الهيدروجينية. وبمجرد اكتمال مهمة المياه الحيوية تعود مرة أخرى الى البحر وتتابع الدورة الهيدروجينية حلقتها مع استمرار الحياة. ان عملية التبخير والتكثف في هذه الدورة تقوم بمعالجة ما نسبته 3% من اجمالي المياه المشمولة في حلقة المعالجة الذاتية للمياه وحيث ان نسبة ما تشكله المياه يعادل 75% من محتوى الارض فان هذه النسبة تعتبر ضئيله مقارنة بالعوز المائي الانساني والذي يشمل الزراعة والصناعة وانتاج الطاقة واستخدامها في الأنشطة اليومية للإنسان.
وبما أن كمية الماء على الأرض هي بحكم تعريفها ثابتة ، فقد ركزت الجهود حتى الآن على تقليل الاستهلاك. لقد تم القيام بالكثير في هذا الاتجاه وما زال هناك الكثير مما ينبغي عمله. ومع ذلك ، فإن هذه الجهود لن تكون كافية لأن احتياجاتنا المتزايدة من المياه العذبة ستتجاوز قريبا القدرة التجديدية للدورة الهيدرولوجية.
إذا حدث ذلك ، فإن الحل الوحيد القابل للتطبيق في المستقبل القريب هو تحلية المياه ، أي استخدام التقنيات التي تنقي مياه البحر، حيث ان تحلية المياه هي الأمل الوحيد للأجيال القادمة في إنتاج مياه جديدة بأسعار معقولة خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر من اكثر المناطق ذات العوز المائي على هذا الكوكب.
بدأت عملية تحلية المياه في بلدان الشرق منذ ما يقارب 40 عامًا ، لكن في الآونة الأخيرة فقط اصبح القطاع فعالا وذو انتاجية. ولم يبدأ الاستغلال التجاري إلا في التسعينيات وشهدت تطورا لوغاريتميا في الاونه الاخيره حيث اصبحت احدى دعائم الصناعة في هذه البلدان.
مع تطور وسائل وتقنيات معالجة المياه فما يزيد عن 16000 محطة تحلية منتشره في دول العالم وذلك بنسبة تطور ونمو سنوي يفوق 15%.
يبقى التحدي الاصعب في عملية تحلية مياه البحر والمتمثل باستهلاك الطاقة حيث ان كمية الطاقة المستخدمة في عمليات التحلية سواء كانت عن طريق التناضح العكسي والذي يحتاج الى طاقة مكثفة لعملية حقن الاغشية والمرشحات بمياه البحر، أو عن طريق استخدام الطاقة الحرارية في عمليات التقطير. شح مصادر الطاقة اثر سلبيا على انتاجية وكفاءة عمليات تحلية البحر وذلك في نطاق الدول الغير نفطية، وكان الازدهار ملحوظاً لعمليات التحلية في المنطقة وخاصة في المملكة العربية السعودية والتي تعتبر الآن اكبر منتج ومستهلك للمياه المحلاة في العالم.
العوز المائي والمقرون بالعوز في مصادر الطاقة شجع الباحثين على تقديم حلول وابتكارات تتماشى مع المعطيات المتوفرة وكان من اهم الاهداف المنشودة هو ايجاد طرق تحليليه ذات استهلاك طاقة اقل وبنفس الكفائة المنشودة.
ومن هذا المنطلق كان التركيز على تطوير انظمة استعادة الطاقة في عملية التناضح العكسي والتي تعتمد على خفض كمية الطاقة اللازمة لضغط المياه في المرشحات الى مستويات متدنيه وذلك عن طريق ما يسمى بتدوير الطاقة اي ان الطاقة اللازمة لضخ المياه خلال الاغشية يعاد تدويرها مرات عدة وبنسبة تصل الى 75% من الطاقة الأساسية المستهلكة.
يتم إستهلاك كمية ضخمة من الطاقة لتحقيق مستويات الضغط المطلوبة للعملية ، والتي بعد ذلك تصبح عديمة الفائدة بعد انتهاء العملية، وهذا يعني ان الطاقة المستخدمة لضخ وضغط مياه البحر في المرشحات يقابلها طاقة وضغط المياه المالحة الناتجة عن هذه العملية والتي في عمليات التناضح العكسي تذهب هدراً، و من هنا كان لا بد من استغلال هذه الطاقة المهدورة وبالتالي المساعدة في اعادة تدوير هذه الطاقه واستغلالها كمصدر للضغط اللازم لضخ مياه البحر خلال المرشحات.
كذلك الامر في عملية تحلية مياه البحر عن طريق التقطير جاءت عمليات التقطير الوميضي لتقلل من استهلاك الطاقة الحرارية المستخدمة حيث ان مبدئها يحاكي الدورة الهيدروجينية للمياه حيث تقوم هذه الانظمة بتسخين مياه البحر وتداولها خلال مراحل مختلفة من التحول حيث يقل مستوى الضغط الجوي تدريجيا والذي يستلزم انخفاض نقطة الغليان ضمنيا مما يقنن من كمية الوقود المستهلك.
ومن هنا نستشعر الوظيفة الرئيسية لأجهزة تدوير الطاقة في تحسين كفاءة استعادة الطاقة عن طريق تسخير الطاقة المرفوضة المقابلة لطاقة الفعل واعادة استردادها لتكون جزء من عملية التحلية المستدامة. كما تم تطوير العديد من انظمة استعادة وتدوير الطاقة لتشمل الانظمة الهيدروليكية بمساعدة ميكانيكية وانظمة هيدروليكية متسلسلة واخيرا انظمة هيدروليكية تعمل بالتوازي وكل حسب الية ضخ الطاقة الاولية سواء كانت بفعل مضخات او حرارية.
تحلية مياه البحر حول العالم تستغل الطاقات الأحفورية او المخزون النفطي للبلدان. على المدى الطويل ، مهما كانت هذه الطاقة فعاله، فان هذا الخيار غير مستدام من الناحية البيئية والاقتصادية.
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، من الممكن بناء محطات الطاقة الشمسية التي تكون مواردها غير محدودة نظريا. يمكن للمنطقة توليد ما يكفي من الطاقة الشمسية لتلبية الطلب العالمي عدة مرات. كما أن استبدال الوقود الأحفوري سيقلل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ، وهو أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع درجات الحرارة لكوكب الارض.
تشييد محطات الخلايا الشمسية المزودة بانظمة تخزين الحرارة واجهزة تجميع و تحويل الطاقة في المنطقة يمكن أن توفر الطاقة على مدار 24 ساعة في اليوم لهذه البلدان حيث انها تعتبر من اكثر البلدان التي تتمتع باطول وقت تعرض شمسي في العالم اذا ما قورنت بالدول الاوروبية.
سوف يستغرق تطوير محطات الطاقة الشمسية في المنطقة بعض الوقت. وسيتم استخدام المصانع الحالية التي تستخدم الوقود الأحفوري حتى 2041-2043. سوف تكون هناك حاجة إلى جهود البحث والتطوير لجعل تكاليف الطاقة الشمسية قادرة على المنافسة. في غضون ذلك ، قامت المملكة العربية السعودية بالفعل بتطوير عدد من محطات التحلية التي تعمل بالطاقة الشمسية ، كما افتتحت مؤخراً أول محطة للتناضح العكسي في العالم تعمل بالطاقة الشمسية على نطاق واسع في منطقة الخفجي ، بالقرب من الحدود مع دولة الكويت.
كما ان بعض البلدان اتجهت الى تسخير طاقة الرياح كطاقة بديلة وغير مباشرة لتزويد محطات تحلية المياه كما هو الحال في استراليا.
ولا تزال هناك حاجة ملحة للتغلب على العقبات الخرى التي تحول دون تطوير محطات تحلية المياه والتي تتضمن التلوث الناجم عن المواد الكيميائية المضافة اثناء عملية المعالجة كذلك التلوث الحراري للمحتوى المائي للبحار، ومواصلة البحث العلمي لتطوير اليات ذات كفاءة عالية ومنخفضة التكاليف. حيث ان معدل النمو في هذه الصناعة مرهون بالتغلب على كل هذه المعيقات.
من الجدير بالذكر أن المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) دعا الدول العربية إلى مواصلة السعي نحو ابتكارات تساعد على تخطي أزمة ندرة المياه في إطار جهودها لمواجهة تغير المناخ.
كما أشاد بالتقدم الذي حققته دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في بعض المجالات مثل تحلية المياه وجمع المياه والري بالتنقيط ومعالجة مياه الصرف الصحي، على الرغم من التحديات فيها.وقال “من الضروري تعزيز طرق الزراعة وإنتاج الغذاء بصورة عامة بحيث يتم استخدام كميات مياه أقل وبكفاءة أكبر. سيؤدي النمو السكاني وآثار تغير المناخ إلى زيادة الضغط على مدى توفر المياه في المستقبل القريب. ويشكل تغير المناخ، بالتحديد، مخاطر كبيرة جدا”.وأكد على ضرورة وضع المزارعين والأسر الريفية في قلب الاستراتيجيات المتعلقة بمواجهة ندرة المياه، قائلا إن “تشجيعهم فقط على تبني تقنيات زراعية أكثر فعالية غير كاف، بل يجب ضمان حصولهم على مياه الشرب”.وتستهلك الزراعة ما يزيد عن 80% من جميع عمليات سحب المياه العذبة في المنطقة والتي تصل ذروتها إلى أكثر من 90 %في عدد من الدول ومن بينها اليمن وسوريا، مما يجعل تبني ممارسات مستدامة وفعالة لإدارة المياه في الزراعة مهم جدا لتحقيق هدف القضاء على الجوع.
م. أحمد فايز ظاهر
عمان- الاردن