بقلم 

ك/ لقاء أبو العباس الفقى

مدير معمل الميكروبيولوجى-المعمل المركزى –شركه مياه الشرب والصرف الصحى بالشرقية

 

قال الحق تبارك وتعالى (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) (سورة الأنبياء، رقم 30). فالماء هو شريان الحياة الرئيسى للإنسان وباقي الكائنات الحية على وجه الأرض، وعدم وجوده يعني إنعدام الحياه وقد عرف كوكب الأرض بالكوكب المائى نظراً لأن الماء يغطي 70.9℅  بما يشكل ثلثى مساحة الكرة الأرض، وينقسم الماء في الطبيعة إلى مياه سطحية (أنهار- بحار – محيطات) – مياه جوفية – مياه الأمطار، يعتبر الماء من أكثر المصادر الطبيعية وفرة على سطح الكرة الأرضية ولكن نسبة 1% فقط هو المتاح ويستخدم بصورة آمنه بواسطة الإنسان، وطبقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية هناك مايزيد عن 750 مليون إنسان ليس لديهم مصدر مياه شرب مناسب، وفى البداية يجب الإشارة إلى تقرير UN-WWDR (2018) والذى تطرق إلى أهمية المياه وإستخداماتها المختلفة والذى أشار طبقاً للدراسات الإحصائية فإن 70%من المياه العذبة المتاحة تستخدم فى الزراعة وأغراض الرى و20% تستخدم فى الأغراض التصنيعية للتطور الإقتصادي و الحضاري والجزء المتبقى 10% تستخدم فى الأغراض المنزلية مثل الطهى والشرب  والإستحمام ،وهناك طلب متزايد على أمدادات المياه نظراً للإرتفاع المستمر فى الكثافة السكانية والتطور الحضارى والصناعى حتى الإستثمار الزراعى المكثف،وإساءة ملف إدارة المياه كلها عوامل تزيد من الضغوط تحت مسمى التطور الحضارى والصناعى والقفزات الإقتصادية، فهى ضغوط تضع الجيل الحالى والأجيال القادمة فى مأزق نظراً لأن كل المصادر الطبيعية للمياه العذبة قد تستنفذ، ويضاف لتلك الضغوط الواقعة على مصادرالمياه الطبيعية مشكله التلوث المائي وهذا التلوث قد يكون تلوثاً طبيعياً (الفيضانات- تسونامى – البراكين – حرائق الغابات-سقوط النيازيك – البرق والرعد)، بجانب التلوث الصناعى نتيجة لأنشطة الإنسان المختلفة والمكثفة فى مجالات عديدة مثل التعدين والتصنيع والرعى الجائر وكذلك إستنزاف الأراضى الخصبة بصورة جائرة وينتج عن ذلك كميات كبيرة من المخلفات الصلبة الملوثة للبيئة مع العلم أن تلك الأنشطة يسهل التحكم فيها بالقوانين والإجراءات الرادعة والحازمة عكس الحال فى التلوث الطبيعى.

قال الله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) صدق الله العظيم (سورة الروم، 41)

وهناك إرتفاع فى تكاليف توفير مياه شرب نظيفة نظراً لإرتفاع تكاليف طاقة التشغيل وطبقاً للزيادة المفرطة فى أعداد السكان وطبقاً للتغيرات المناخية والبيئية المتزايدة وتشير التقارير أيضاً إلى وجود إرتفاع متزايد فى الملوثات الناتجة حيث أن معظم محطات معالجة المياه لا تزيل هذه الملوثات الخطيرة، وحديثاً لقد أعلن (UN-WWDR (2018 أن هناك حوالى 1.7 بليون إنسان حول العالم يعيشون فى مناطق شحيحة للمياه ومن المحتمل إرتفاع هذا الرقم إلى 3 بليون إنسان فى عام 2050.

بما أن الماء هو الحياه وكل قطرة مياه = حياه فماذا يحدث إذا تلوث وحدث له تغيرات فيزيائية أو كيميائية أو البيولوجى بطريقة مباشرة أوغير مباشرة ؟ بالطبع تلوث المياه يؤثر سلبياً على جميع الكائنات الحية،و يجعل المياه غير صالحة للإستخدام الآدمى، ويزداد معدل تلوث المياه بزيادة الأنشطة البشرية فإذا لم يتواجد رادع وتجريم ووضع حدود وقيود للمحافظة على نوعية وجودة المياه وعدم تلوثيها فأننا جميعاً سنفق على كارثة أرضية بكوكبنا المائى. وقد أدى ظهور هذه المصادر المختلفة للتلوث إلى لفت نظر العالم إلى نوعية المياه ومدى جودتها- ومدى خطورتها على صحة الإنسان والبيئة التى نعيش فيها. حيث كانت البداية الحقيقية مع منتصف القرن الماضى بعقد المؤتمرات واللجان العلمية من جهه منظمة الصحة العالمية بإسناد من هيئة الأمم المتحدة UN  حيث تمكنت المنظمة من إصدار أول دليل إرشادى عام 1971 لوصف وتحديد بعض المعايير الخاصة بنوعية وجودة المياه الصالحة للشرب والإستخدام الآّدمى. وتطورت الإصدارات وأصبح لكل دولة مواصفات خاصة بها لتحديد صلاحية مياه الشرب للإستخدام، وكذلك تطور تنقية ومعالجة المياه السطحية والجوفيه.

والتلوث المائى من أخطر المشكلات التى تواجهها المصادر المائية فى مصر فبالرغم من تعدد المصادر المائية فى الوقت الحالى فمصادر المياه فى جمهورية مصر العربية(مياه نهر النيل مصدراً أساسياً – مياه جوفية – الأمطار الساحلية – مياه البحر الأحمر والمتوسط – إعادة إستخدام مياه الصرف الصحى) (موارد مصر المائية، 2012). إلا أنها تواجه خطر التلوث سواء كان تلوث طبيعى، تلوث كيميائى، تلوث بمياه الصرف الصحى والصناعى والأنشطة السياحية، تلوث بالملوثات النفطية، والمخلفات الزراعية (المبيدات-المخصبات الزراعية) وبالتالى إختلفت نوعية تلك المياه ومدى جودتها بل أدت إلى ندرته، فبالرغم من إصدار رئاسة الجمهورية المصرية فى 29 شعبان لسنة 1402/21 يونيو 1982 قانون رقم (48) للحد من التلوث لحماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث وتنص المادة الثانية بمنع صرف أو إلقاء المخلفات الصلبة أو السائلة أو الغازية فى المجارى المائية إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الرى وفقاً للضوابط والمعايير التى يصدرها قرار وزيرالرى، وقد أصدر قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 والذى تم تعديله بالقانون 9 لسنه 2009 حيث نص بند 26 بعدم تسرب أو إنصباب أو إنبعاث أو تفريغ لأي نوع من الملوثات فى نهر النيل والمجارى المائية أو المسطحات المائية إلا أن مشكلة التلوث المائي لاتزال قائمة.

نتيجة للمشكلات التى تتعرض لها جمهورية مصر العربية قررت الجهات والمؤسسات الحكومية إلى وضع إستراتيجية لرؤية مصر 2030 والتى قام بإعدادها مجموعة من الخبراء المتخصصين فى الوزارات المختلفة مع الإستعانة بخبرات عدد من الدول والتى حققت نجاحاً فى هذا المجال مثل ماليزيا، الهند وغيرها. حيث إهتمت الرؤية المصرية 2030 بالبعد البيئى وجعلته محوراً أساسياً لكافة القطاعات التنموية والإقتصادية بشكل يحقق مأمونية الموارد الطبيعية ويدعم عدالة إستخدامها وإستغلالها الإستغلال الأمثل والإستثمار فيها لضمان حقوق الأجيال القادمة مع توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنه للمواطن المصرى، فمن أهداف هذه الإستراتيجية:-

– الحد من المخلفات الغير معالجة وإستغلالها قدر الإمكان، الحد من التلوث والإدارة الكاملة للمخلفات.

– الحفاظ على توازن النظم الأيكولوجية والتنوع البيولوجى مع رفع كفاءة المحميات الطبيعية المصرية.

– الإداره الرشيدة والمستدامة للموارد الطبيعية بما فى ذلك الموارد المائية (الموقع الرسمى لمجلس الوزراء، 2030).

الخلاصة

  • العمل على التقليل من مصادر تلوث المياه وإن كان التلوث الصناعي أساس تلوث الأمطار (الأمطار الحمضية) وكذلك النفايات والصرف الصحي والمخصبات وغيرها وقد أدى ذلك لحرمان ملايين من البشر على كوكب الأرض من المياه الصالحة للشرب مما أدى إلى إنتشار الأمراض وإرتفاع نسبة الوفيات نتيجة لذلك يجب أن تحظى الموارد المائية بإهتمام وأهمية كبيرة لتوفيرها بالكميات والنوعيات المطابقة للمواصفات العالمية كل حسب إستخدامه سواء المنزلية أو الزراعية أو الصناعية .
  • بناء خزانات جوفية مغطاه بمواد عازلة لتخزين مياه الأمطار والحفاظ عليها من التسريب أو التلوث من مياه الصرف الصحي أو التبخير والإنتفاع منها عند الحاجة في الشرب.
  • بناء محطات رفع للمياه الشرب جيده ذات مواصفات هندسية وبيولوجية صالحة لإنتاج مياه شرب صالحة للإستخدام المنزلي.
  • إجراء أبحاث ودراسات من خلال فريق بحثى من الوزارات المعنية بقطاع المياه والمشاكل التى تتعرض للتنمية الإدارية لتؤكد جودة مياه الشرب وأنها صالحة للإستخدام الآدمى.
  • إستخدام الوسائل البيولوجية و المذيبات الامنة لمعالجة ترسيب النفط في قاع البحار أو المحيطات.
  • التشديد على منع ناقلات النفط والسفن الكبيرة من التخلص من نفاياتھا النفطية بإلقائھا في المياه وإلزامھا بأن تتزود بجھاز لتنقية المياه.
  • التشديد على عدم إلقاء مياه مجارى الصرف الصحى في المسطحات المائية قبل معالجتھا .
  • التشديد على عدم إلقاء مخلفات المصانع السائلة قبل معالجتھا وتقليل نسب الملوثات فيھا بما يضمن إستمرار الحد الآمن.

الطرق المقترحة للحد من التلوّث في جمهورية مصر العربية

  • الحد من التضخّم السكاني والتوعية بخطورة تفاقم تلك المشكلة.
  • بناء المصانع والمطارات والمفاعلات النووية والذرية بعيدة عن المناطق السكنيّة.
  • إجراء المزيد من الدراسات العلمية عن الملوثات وأضرارھا وكيفية منعها ومعالجتها.
  • إعادة تدوير بعض نفايات المصانع بدلاً من إلقائها في المصارف ووصولها إلى المياه الجوفية وتلوثها.
  • التحليل الدورى الكيميائى والحيوى للماء بواسطة مختبرات متخصصة، لضمان المعايير التي تتحقق بها جودة المياه وعدم تلوثها.
  • التأكد من أن الماء(آمن للإستهلاك البشرى- مرضى للمستهلكين- مقدم بتكلفة معقوله)

المراجع

الموقع الرسمى لمجلس الوزراء المصرى،  مصر 2030، إستراتيجية التنمية المستدامة.

سورة الأنبياء آية (30) (القران الكريم).

سورة الروم آية (41) (القران الكريم).

قانون البيئة رقم   4 لسنة 1994 والمعدل بقانون رقم 9 لسنة 2009 لجمهورية مصر العربية.

قانون رقم 48 لسنة 1982 لحماية نهر النيل والمجارى المائية من التلوث.

وزارة الصحة والسكان (2007). الإدارة المركزية لشئون البيئة ، قــرار وزارة الصحة والسكان رقم (458).

موارد مصر المائية (2012). كتاب وزارة الزراعة والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

ECESR, W. (2014). Egyptian Center For Economic and Social Rights, Water Pollution.

UN-WWDR (2018). United Nations –World Water Development Report.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات معطلة.