كثيراً ما يتردد علي مسامعنا أن الحرب القادمة هي حرب المياه و أن الصراع على نقطة المياه سيكون هو الحلقة الأخيرة في الصراعات بين الدول والشعوب التي يربطها مصير مشترك من سر الحياة على هذا الكوكب ، و نري كل دولة تسعي لتوفير المياه لشعبها باعتباره عنصر من عناصر أمنها القومي و ركن أصيل من حقوق شعوبها في الحياة.

 

من هنا يأتي دور الحكومات في تخصيص هيئات حكومية و وزارات و مؤسسات لمتابعة الموارد المائية للدولة و إدارتها بشكل جيد يضمن وصول الماء النظيف الصالح للشرب لكل فرد من سكانها كما تقوم هذه الهيئات و الوزارات بمتابعة حصة الفرد السنوية من المياه و مصادره بحسب كل دولة و موقعها الجغرافي و طبيعة مواردها المائية سواء كانت هبة ربانية ممنوحة من رب العباد كالأنهار و الأمطار و الخزانات الجوفية أو نتيجة معالجة بشرية صناعية كمحطات التحلية و معالجة الصرف الصحي.

 

في مصر مثلا تم تأسيس وزارة الموارد المائية و الري لهذا الغرض و كانت مصر من أوائل دول المنطقة في هذا الشأن تقديرا لأهمية المياه و ضرورة وجود كيان ينظم استخدام موردها العظيم ( نهر النيل ) فكان تأسيس ديوان الأشغال في عهد الخديوي حلمي عباس باشا الأول عام 1844 م أي قبل ما يزيد عن 170 عاماً من الآن ثم تطور الديوان ليحوي نظارة خاصة بالمياه ثم تطورت المسميات لمصلحة الري العمومي وصولا إلى المسمى الحالي للوزارة

 

تقوم هذه الهيئات و الوزارات برصد كافة الموارد المائية سواء السطحية أو الجوفية أو الأمطار ، تقنين استخدام هذه الموارد و رسم خطط توزيع المياه و تنفيذ مشروعات تنمية موارد المياه و معالجتها ، تطبيق سياسات الترشيد و توعية المواطنين بقواعد الاستهلاك و المحاسبة على استخدام المياه كما تهتم بتحديث طرق الري و رفع كفاءة نظم نقل و توزيع المياه بما يضمن الحفاظ عليها و تحسين جودتها .

 

ما الجديد في هذا المقال ؟؟؟

 

المقدمة السابقة أشارت لأهمية المياه و خطورة هذا الركن الأساسي في حياة الأمة ، كذلك وجود هيئات حكومية مختصة بمتابعة الموارد المائية

لكن السؤال … هل تعلم هذه الحكومات بحجم محطات المعالجة و التحلية الخاصة المقامة على أراضيها ؟

هل تراجع الحكومة كميات المياه المنتجة من هذه المحطات التي قد يتخطى إنتاجها سنويا ملايين الأطنان من المياه ؟

هل تراقب وزارة الصحة مواصفات المياه المنتجة من كل محطة معالجة أو تحلية و طبيعة استخدام هذا المنتج سواء تم توجيهه للمواطن أو للأرض الزراعية في هذا البلد و على الجانب الآخر هل يعلم المسؤلون التوزيع الجغرافي لمناطق الفقر و الندرة المائية للسكان في بلادهم

هل هناك خريطة محددة و واضحة بالقرى و النجوع الأكثر احتياجا لمشروعات المياه و  مشروعات معالجة الصرف الصحي و الصناعي ؟

هل تشرف الهيئات الصحية على جودة المياه التي تصل لكل بيت أو على الأقل كل قرية و مدى مطابقتها للمواصفات الآدمية العالمية أو المحلية لمياة الشرب ؟؟

 

من هنا و انطلاقا من هذه التساؤلات و محاولة ً لتقديم إجابة عليها و تفكيراً في مستقبل المياه في الأمة ظهرت حاجتنا لوجود قاعدة بيانات حكومية عامة تسجل الوارد و الصادر من المياه و تقوم بعمل مسح شامل و كامل لمناطق الدولة الأشد فقرا مائيا

 

قاعدة بيانات تنقسم لثلاثة أقسام …

يهتم القسم الأول بالموارد تحسب كميات التدفق السنوية للأنهار و تقوم بتقدير متوسط نسبة البلاد من مياه الأمطار سنويا و تقوم بإلزام شركات المياه العاملة بالمجال بتقديم حصر دقيق و محدد لإنتاجها سنويا من المياه و أماكن تقديم خدماتها و أسعارها و نوعية محطاتها و جودة و كفاءة المنتج النهائي

فيما يختص القسم الثاني بحصر و تسجيل تدفق هذه الموارد السابق ذكرها إلى المواطنين و ضمان التوزيع العادل و الشامل للجميع و إعطاء تقارير عن نسبة وصول هذه الموارد لأماكن الاستهلاك و حساب احتياج كل منطقة بشكل دقيق حتى لا يتم هدر المياه في مناطق على حساب مناطق أخرى

و القسم الثالث يقوم بمعاينة واقعية على الأرض و عمل مسح شامل للمحافظات و المدن و القرى و لكل النقاط المغذاة بالمياه و كذلك المحرومة من وصول المياه النظيفة و تهتم برسم خريطة معنية بنسبة توزيع المياه على كافة أنحاء الدولة تظهر فيها المناطق الغنية بالمياه بألوان مختلفة مثلا عن مناطق الشح المائي و توزيع السكان على هذه النقاط.

 

ما الفائدة من وراء هذه القاعدة ؟؟

 

لن ينجح أحد في تحقيق هدفه دون توفير معلومات واضحة و محدثة باستمرار عن هذا الهدف و بدون البيانات الدقيقة و الدراسات العلمية تصبح الرؤية ضبابية و غير واضحة المعالم ، و عندها يترك الأمر للاجتهادات و محاولة كل مسئول العمل بشكل فردي و تتجدد مشكلة الجزر المنعزلة في العمل الإداري لغياب البيانات و المعلومات الواضحة .

من هنا تأتي الفائدة العظيمة و الحاجة الشديدة لوجود قاعدة بيانات المياه بحيث يتمكن القائمون على إدارة هذه الموارد من تحديد احتياجاتهم من المشروعات و التطوير و رفع كفاءة المحطات و كذلك حسن اختيار المناطق الأولى بهذه المشروعات

هنا في مصر يرجى الاستعانة في عمل هذه القاعدة بالبيانات الواردة من الشركات الخاصة و الحكومية العاملة بقطاع المياه ، كما تشترك فيها وزارة الاسكان و هيئة المجتمعات العمرانية و معامل وزارة الصحة و الجمعيات الأهلية و الخيرية المنتشرة في ربوع الجمهورية و الواصلة إلى عمق الكفور و النجوع و الملامسه لأرض الواقع المرير لبعض المناطق الفقيرة بالمياه و التي تنتشر إعلاناتها في أجهزة الإعلام المختلفة تتحدث عن معاناة أهلنا في الوصول للمياه النظيفة و تجاهل الحكومة لهم فيما ينعم غيرهم في نفس الدولة بتنظيف سياراتهم بمياه الشرب التي تضخها لهم نفس الحكومة !

هذا ليس نقصا في المياه ، لكنه نقصا في التخطيط و المعلومات و حسن الإدارة للموارد المتاحة

 

إذا كنا في احتياج موارد مائية جديدة لمواجهة العجز المائي فنحن بحاجة أكثر لإدارة صحيحة و معلومات دقيقة عن مواردنا الحالية.

 

نتمنى أن يجد مقالنا صدى عند أهل الرأي و المشورة من أولي الأمر في أمتنا و أن يدرس قرار إصدار هذه القاعدة من بيانات المياه و أن تكون متاحة للمسؤولين كمرجع لهم قبل اتخاذ أي قرار أو تنفيذ اي مشروع لعلها تعود بالخير على الجميع و ننعم جميعا بوفرة مائية في وطننا العربي.

بقلم  م/ محمد علي عبد المنعم

مهندس تسويق بمجال تقنيات المياه

التعليقات معطلة.